فصل: الطبقة الثانية من الفرس وهم الكينية وذكر ملوكهم وأيامهم إلى حين انقراضهم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الطبقة الثانية من الفرس وهم الكينية وذكر ملوكهم وأيامهم إلى حين انقراضهم:

هذه الطبقة الثانية من الفرس وملوكهم يعرفون بالكينية لأن اسم كل وحد مضاف إلى كي وقد تقدم معناه والمضاف عند العجم متأخر عن المضاف إليه وأولهم فيما قالوا كيقباذ من عقب منوشهر بينهما أربعة آباء وكان متزوجا بامرأة من رؤوس الترك ولدت له خمسة من البنين: كي وافيا وكيكاوس وكي أرش وكي نية وكي فاسمن وهؤلاء هم الجبابرة وآباء الجبابرة قال الطبري: وقيل إن الملوك الكينية وأولادهم من نسله جرت بينه وبين الترك حروب وكان مقيما بنهر بلخ يمانع الترك من طروق بلاده وملك مائة سنة وانتهى.
وملك بعده ابنه كيكاوس بن كينية وطالب حروبه مع فراسيات ملك الترك وهلك فيها ابنه سياوخش ويقال كان على عهد داود وأن عمرا ذا الأذعار من ملوك التبابعة غزاه في بلاده فظفر به وحبسه عنده باليمن وسار وزيره رستم بن دستان بجنود فارس إلى غزو ذي الأذعار فقتله وتخلص كيكاوس إلى ملكه وقال الطبري: كان كيكاوس عظيم السلطان والحماية وولد له ابنه سياوخش فدفعه إلى رستم الشديد ابن دستان وكان أصهر بسجستان حتى إذا كملت تربيته وفصاله رده إلى أبيه فرضيه وكفلت به امرأة أبيه فسخطه وبعثه لحراب فراسيات وأمره بالمناهضة فراوده فراسيات في الصلح وامتنع أبوه كيكاوس فخشي منه على نفسه ولحق بفراسيات فزوجه بنته أم كي خسرو ثم خشيه فراسيات على نفسه وأشار على ابنته بقتله فقتلته وترك ابنة فراسيات حاملا بخسرو وولدته هنالك وأعمل كيكاوس الحيلة في إخراجه فلحق به.
ويقال إنه لما بلغه قتل ابنه بعث عساكره مع قواده فوطئوا بلاد الترك وأثخنوا فيها وقتلوا بني فراسيات فيمن قتلوه قال الطبري وإنه غزا بلاد اليمن ولقيه ذو الأذعار في حمير وقحطان فظفر به وأسره وحبسه في بئر وأطبق عليه وإن رستم سار من سجستان فحارب ذا الأذعار ثم اصطلحا على أن يسلم إليه كيكاوس فأخذه ورجع إلى بابل وكافأه كيكاوس على ذلك بالعتق من عبودية الملك ونصب لجلوسه سريرا من فضة بقوائم من ذهب وتوجه بالذهب وأقطعه سجستان وأباستان وهلك لمائة وخمسين من دولته وملك بعده فيما قال الطبري والمسعودي والبيهقي وجماعة من المؤرخين حافده كي خسرو وابن ابنه سباوخش.
وقال السهيلي: إنه ملك كي خسرو وبعد ثلاثة آخرين بينه وبينه كيكاوس فأولهم بعده ابنه كي كينة ثم من بعده ابنه جو بن كي كينة ثم عمه سباوخش بن كيكاوس ثم بعد الثلاثة كي خسرو بن سباوخش وهو غريب فإنهم متفقون على أن سباوخش مات في حياة أبيه في حروب الترك.
قال الطبري: وقد كان كيكاوس بن كي كينة بن كيقباذ ملك كي خسرو حين جاءه من بلاد الترك مع أمه وأسفاقدين بنت فراسيات قالوا ولما ملك بعث العساكر مع أجو إلى أصبهان لحرب فراسيات ملك الترك للطلب بثأر أبيه سباوخش فزحفوا إلى الترك وكانت بينهم حروب شديدة انهزمت فيها عساكر الفرس فنهض كي خسرو بنفسه إلى بلخ وقدم عساكره وقواده فقصدوا بلاد الترك من سائر النواحي وهزموا عساكرهم وقتلوا قوادهم وكان قاتل سباوخش بن كي خسرو فيمن قتل منهم وبعث فراسيات ابنه وكان ساحرا إلى كيخسرو يستميله فعمد إلى القواد بمنعه وقتاله وقاتل فقتل وزحف فراسيات فلقيه كي خسرو وكانت بينهما حروب شديدة انجلت عن هزيمة فراسيات والترك واتبعه كي خسرو فظفر به في أذربيجان فذبحه وانصرف ظافرا وكان فيمن حضر معه لهذا الفتح ملك فارس وهو كي أوجن بن حينوش بن كيكاوس بن كي كينة بن كيقباذ وهو عند الطبري أبو كيهراسف الذي ملك بعد كيخسرو على ما نذكر.
وملك على الترك بعد فراسيات جوراسيات جوراسف ابن أخيه شراشف ثم إن كي خسرو ترهب وتزهد في الملك واستخلف مكانه كيهراسف بن كي أوجن الذي قدمنا أنه أبوه عند الطبري ولد كيخسرو فقيل غاب في البرية وقيل مات وذلك لستين سنة من ملكه.
ولما ملك كيهراسف اشتدت شوكة الترك فسكن لقتالهم مدينة بلخ على نهر جيحون وأقام في حروبهم عامة أيامه وكان أصبهبذ ما بين الأهواز والروم من غربي دجلة في أيام بختنرسي المشتهر ببختنصر وأضاف إليه كهراسف ملكا عندما سار إليه وأذن له في فتح ما يليه وسار إلى الشام معه ملوك الفرس وبختنصر ملك الموصل وله سنجاريق ففتح بيت المقدس وكان له الظهور على اليهود واستأصلهم كما مر في أخبارهم وبختنصر هذا الذي غزا العرب وقاتلهم واستباحهم ويقال إن ذلك كان في أيام كي بهمن حافد كيستاسب بن كيهراسف.
قال هشام بن محمد: أوحى الله إلى أرميا النبي صلى الله عليه وسلم وكان حافد زريافيل الذي رجع بني إسرائيل إلى بيت المقدس بأمر بختنصر أن يفرق العرب الذين لا أغلاق لبيوتهم ويستبيحهم والوحي بذلك كان إلى يرميا بن خلقيا وقد مر ذكره وأنه أمر أن يستخرج معد بن عدنان من بينهم ويكفله إلى انقضاء أمر الله فيهم انتهى.
قال: فوثب بختنصر على من وجده ببلاده من العرب للميرة فحبسهم ونادى بالغزو وجاءت منهم طوائف مستسملين فقبلهم وأنزلهم بالأنبار والحيرة.
وقال غير هشام إن بختنصر غزا العرب بالجزيرة وما بين أيلة والأبلة وملأها عليهم خيلا ورجالا ولقيه بنو عدنان فهزمهم إلى حضورا واستلحمهم أجمعين وأن الله أوحى إلى أرميا ويوحنا أن يستخرجا معد بن عدنان الذي ولده محمد أختم به النبيين آخر الزمان وهو ابن اثنتي عشرة سنة وردفه يوحنا على البراق وجاء به إلى حران وربى بين أنبياء بني إسرائيل.
ورجع بختنصر إلى بابل وأنزل السبي بالأنبار فقيل أنبار العرب وسميت بهم وخالطهم النبط بعد ذلك ولما هلك بختنصر خرج معد بن عدنان مع أنبياء بني إسرائيل إلى الحج فحجوا وبقي هنالك مع قومه وتزوج بعانة بنت الحارث بن مضاض الجرهمي فولدت له نزار بن معد.
وأما كيهراسف فكان يحارب الترك عامة أيامه وهلك في حروبهم لمائة وعشرين سنة من ملكه وكان محمود السيرة وكانت الملوك شرقا وغربا يحملون إليه الأتاوة ويعظمونه وقيل إنه ولى ابنه كيستاسب على الملك وانقطع للعبادة ولما ملك ابنه كيستاسب شغل بقتال الترك عامة أيامه ودفع لحروبهم ابنه أسفنديار فعظم عناؤه فيهم وظهر في أيامه زرادشت الذي يزعم المجوس نبوته وكان فيما زعم أهل الكتاب من أهل فلسطين خادما لبعض تلامذة أرميا النبي خالصة عنده فخانه في بعض أموره فدعا الله عليه فبرص ولحق بأذربيجان وشرع بها دين المجوسية وتوجه إلى كيستاسب فعرض عليه دينه فأعجبه وحمل الناس على الدخول فيه وقتل من امتنع.
وعند علماء الفرس أن زرادشت من نسل منوشهر الملك وأن نبيا من بني إسرائيل بعث إلى كيستاسب وهو ببلخ فكان زرادشت وجاماسب العالم وهو من نسل منوشهر أيضا يكتبان بالفارسية ما يقول ذلك النبي بالعبرانية وكان جاماسب يعرف اللسان العربي ويترجمه لزرادشت وأن ذلك كان لثلاثين سنة من دولة كيهراسف.
وقال علماء الفرس: إن زرادشت جاء بكتاب ادعاه وحيا كتب في اثني عشر ألف بعده نقشا بالذهب وأن كيستاسب وضع ذلك في هيكل باصطخر ووكل به الهرابذة ومنع من تعليمه العامة قال المسعودي: ويسمى ذلك الكتاب نسناه وهو كتاب الزمزمة ويدور على ستين حرفا من حروف المعجم وفسره زرادشت وسمي تفسيره زند ثم فسر التفسير ثانيا وسماه زنديهء وهذه اللفظة هي التي عربتها العرب زنديق وأقسام هذا الكتاب عندهم ثلاثة: قسم في أخبار الأمم الماضية وقسم في حدثان المستقبل وقسم في نواميسهم وشرائعهم مثل أن المشرق قبلة وأن الصلوات في الطلوع والزوال والغروب وأنها ذات سجدات ودعوات وجدد لهم زرادشت بيوت النيران التي كان منوشهر أخمدها ورتب لهم عيدين: النيروز في الاعتدال الربيعي والمهرجان في الاعتدال الخريفي وامثال ذلك من نواميسهم ولما انقرض ملك الفرس الأول أحرق الإسكندر هذه الكتب ولما جاء أردشير جمع الفرس على قراءة سورة منها تسمى أسبا قال المسعودي: وأخذ كيستاسب بدين المجوسية من زرادشت لخمس وثلاثين سنة من نبوته فيما زعموا ونصب كيستاسب مكانه جاماسب العالم من أهل أذربيجان وهو أول موبذان كان في الفرس انتهى.
قال الطبري: وكان كيستاسب مهادنا أرجاماسب ملك الترك وقد اشترط عليه أن تكون دابة كيستاسب موقفة على بابه بمنزلة دواب الرؤسا عند أبواب الملوك منعه من ذلك زرادشت وأشار عليه بفتنة الترك فبعث إلى الدابة والموكل بها وصرفهما إليه وبلغ الخبر إلى ملك الترك فبعث إليه بالعتاب والتهديد وأن يبعث بزرداشت إليه وإلا فيعزره وأغلظ كيستاسب في الجوال وآذنه بالحرب وسار بعضهما إلى بعض واقتتلوا وقتل رزين بن كيستاسب وانهزم الترك وأثخن فيهم الفرس وقتل ساحر الترك قيدوشق ورجع كيستاسب إلى بلخ ثم سعى عنده بابنه أسفنديار فحبسه وقيده وسار إلى جبل بناحية كرمان وسجستان فانقطع به للعبادة ودراسة الدين وخلف أباه كهراسف في بلخ شيخا قد أبطله الكبر وترك خزاثنه وأمواله فيها مع امرأته فغزاهم بخا خدراسف وقدم أخا جورا في جموع الترك وكان مرشحا للملك فأثخن واستباح واستولى على بلخ وقتل كهراسف أباهم وغنموا الأموال وهدموا بيوت النيران وسبوا حمايي بنت كستاسب وأختها وكان فيما غنموه العلم الأكبر الذي كانوا يسمونه زركش كاويان وهي راية الحداد الذي خرج على الضحاك وقتله وولى أفريدون فسموا بتلك الراية ورصعوها بالجواهر ووضعوها في ذخائزهم يبسطوها في الحروب العظام وكان لها ذكر في دولتهم وغنمها المسلمون يوم القادسية.
ثم مضى خدراسف ملك الترك في جموعه إلى كيستاسب وهو بجبال سجستان متعبدا فتحصن منه وبعث إلى ابنه أسفنديار مع جاماسب العالم وهو في الجبل فقلده الملك ومحاربة الترك فسار إليهم وأبلى في حروبهم فانهزموا وغنم ما معهم واسترد ما كانوا غنموه والراية زركش كاويان في جملته ثم دخل أسفنديار إلى بلادهم في اتباعهم وفتح مدينتهم عنوة وقتل ملكهم خدارسف وأخوته واستلحم مقاتلته واستباح أمواله ونساءه ودخل مدينة فراسيات ودوخ البلاد وانتهى إلى بلاد صول والتبت وولى على كل ناحية من الترك وفرض الخراج وانصرف إلى بلخ وقد غص به أبوه.
قال هشام بن محمد: فبعثه إلى رستم ملك سجستان الذي كان يستنفره كيقباذ جدهم من ملوك اليمن وأقطعه تلك الممالك جزاء لفعله فسار إليه أسفنديار وقاتله رستم وهلك كيستاسب لمائة وعشرين سنة ويقال إنه الذي رد بني إسرائيل إلى بلادهم وأن أمه كانت من بني طالوت ويقال إن ذلك هو حافد بهمن وقيل إن الذي ردهم هو كورش من ملوك بابل أيام بهمن بأمره.
ثم ملك بعد كيستاسب حافده كي بهمن ويقال أردشير بهمن قال الطبري: ويعرف بالطويل الباع لاستيلائه على الممالك والأقاليم قال هشام بن محمد: ولما ملك سار إلى سجستان طالبا بثأر أبيه فكانت بينهما حروب فقتل فيها رستم بن دستان وأبوه وإخوته وأبناؤه ثم غزا الروم وفرض عليهم الأتاوة وكان من أعظم ملوك الفرس وبنى مدنا بالسواد وكانت أمه من نسل طالوت لأربعة آباء من لدنه وكانت له أم ولد من سبي بني إسرائيل اسمها راسف وهي أخت زريافيل الذي ملكه على اليهود ببيت المقدس وجعل له رياسة الجالوت وملك الشام وملك ثمانين سنة فملكت حمايي ملكها الفرس لجمالها ولحسن أدبها وكمال عرفتها وفروسيتها وكانت بلغت شهرا أزاد وقيل إنما ملوكها لأنها لما حملت من أبيها بدار الأكبر سألته أن يعقد له التاج في بطنها ففعل ذلك وكان ابنه ساسان مرشحا للملك فغضب ولحق بجبال اصطخر زاهد يتولى ماشيته بنفسه فلما مات أبوه فقدوا ذكرا من أولاده فولوا حمايي هذه وكانت مظفرة على الأعداء ولما بلغ ابنها دارا الأشد سلمت إليه الملك وسارت إلى فارس واختطت مدينة دار ابجرد وردت الغزو إلى بلاد الروم وأعطيت الظفر فكثر سبيهم عندها وملكت ثلاثين سنة ولما ملك ابنها دارا نزل بابل وضبط ملكه وغزا الملوك وأدوا الخراج إليه ويقال إنه الذي رتب دواب البرد وكان معجبا بابنه دارا حتى سماه باسمه وولاه عهده وهلك لاثنتي عشرة سنة.
وملك بعده ابنه دارا بهمن وكان له مربي اسمه بيدلي قتله أبوه دارا بسعاية وزيره أرشيش محمود وندم على قتله فلما ولي دارا جعل على كتاتبه أخا بيدلي ثم استوزره رعيا لمرباه مع أخيه فاستفسده على أرشيش وزيره ووزير أبيه وعلى سائر أهل الدولة استوحشوا منه وقال هشام بن محمد: وملك دارا بن دارا أربع عشرة سنة فأساء السيرة وقتل الرؤساء وأهلك الرعية وغزاه الاسكندر الله فيلبس ملك بني يونان وقد كانوا يسمونه فوثب عليه بعضهم وقتله ولحق بالإسكندر وتقرب بذلك إليه فقتله الإسكندر وقال هذا جزاء من اجترأ على سلطانه وتزوج بنته روشنك كما نذكره في أخبار الإسكندر.
وقال الطبري: قال بعض أهل العلم بأخبار الماضيين كان لدارا من الولد يوم قتل أربع بنين أسسك وبنودار وأردشير وبنت إسمها روشنك وهي التي تزوجها الإسكندر قال: وملك أربع عشرة سنة هذه هي الأخبار المشهورة للفرس الأولى إلى ملكهم الأخير دارا.
قال هرشيوش مؤرخ الروم في مبدأ دولة الفرس هؤلاء إنما كانت بعد دخول بني إسرائيل إلى الشام وعلى عهد عثنيئال بن قناز بن يوفنا وهو ابن أخي كالب بن يوفنا الذي دبر أمر بني إسرائيل بعد يوشع قال: وفي ذلك الزمان خرج أبو الفرس من أرض الروم الغريقيين من بلاد آسيا واسمه بالعربية فارس باليونانية يرشور وبالفارسية يرشيرش فنزل بأهل بيته في ناحية وتغلب على أهل ذلك الموضع فنسبت إليه تلك الأمة واشتق اسمها من اسمه وما زال أمرهم ينمو إلى دولة كيرش الذي يقال فيه أنه كسرى الأول فغلب على القضاعيين ثم زحف إلى مدينة بابل وعرض له دونها النهر الثاني بعد الفرات وهو نهر دجلة فاحتفر له الجداول وقسمه فيها ثم زحف إلى المدينة وتغلب عليها وهدمها ثم حارب السريانيين فهلك في حروبهم ببلاد شيت وولى ابنه قنبيشاش بن كيرش فثأر منهم بأبيه وتخطاهم إلى أرض مصر فهدم أوثانهم ونقض شرائعهم فقتله السحرة وذلك لألف سنة من ابتداء دولتهم فولي أمر الفرس دارا وقتل السحرة بمصر ورد عمالة السريانيين إليهم ورجع بني إسرائيل إلى الشام في الثانية من أيامه وزحف إلى بلاد الروم الغريقيين طالبا ثأر كيرش فلم يزل في حروبهم إلى أن هلك لثلاث وعشرين من دولته ثار عليه أحد قواده فقتله وولى بعده ابنه أرتشخار أربعين سنة وولي بعده ابنه دارا أنوطو سبع عشرة سنة.
ثم ولي بعده ابنه أرتشخار بعد أن نازعه كيرش بن نوطو فقتله أرتشخار واستولي على لأمر وسالم الروم الغريقيين ثم انتقضوا عليه واستعانوا بأهل مصر فطالت الحرب ثم اصطلحوا وووقعت الهدنة وهلك أرتشخار وذلك على عهد الإسكندر ملك اليونانيين وهو خال الاسكندر الأعظم وهلك لعهده فولي أبو الاسكندر الأعزن ببلد مقدونية وهو ملك فيلبش.
وهلك أرتشخار أوقش لست وعشرين من دولته وولي من بعده ابنه شخشار أربع سنين وفي أيامه ولي على مقدونية واليونانيين وسائر الروم الغريقيين الاسكندر بن فيلبس ثم ولي بعده شخاردارا وعلى عهده تغلب الاسكندر على يهود بيت المقدس وعلى جميع الروم الغريقيين ثم حدثت الفتنة بينه وبين دارا وتزاحفوا مرات انهزم في كلها وكان لاسكندر الظهور عليه ومضى إلى الشام ومصر فملكهما وبنى الإسكندرية وانصرف فلقيه دارا أنطوس فهزمه وغلب على ممالك الفرس واستولى على مدينتهم وخرج في اتباع دارا فوجده في بعض طريقه جريحا ولم يلبث أن هلك من تلك الجراحة فأظهر الاسكندر الحزن عليه وأمر بدفنه في مقابر الملوك وذلك لألف سنة ونحو من ثمانين سنة منذ ابتداء دولتهم كمل قلناه انتهى كلام هرشيوش.
وقال السهيلي: وجده مثخنا في المعركة فوضع رأسه على فخذه وقال: يا سيد الناس لم أرد قتلك ولا رضيته فهل من حاجة؟ فقال تتزوج ابنتي وتقتل قاتلي ففعل الاسكندر ذلك وانقرض أمر هذه الطبقة والبقاء لله وحده سبحانه وتعالى.
قال ابن العميد: في ترتيب هؤلاء الملوك الفرس من بعد كيرش إلى دارا آخرهم يقال: إنه ملك من بعد كورش ابنه قمبوسيوس ثمانيا وقيل تسعا وقيل اثنتين وعشرين سنة وقيل إنه غزا مصر واستولى عليها وتسمى بختنصر الثاني وملك بعد أريوش بن كستاسب خمسا وعشرين سنة وهو أول الملوك الأربعة الذين عناهم دانيال بقوله ثلاث ملوك يقومون بفارس والرابع يكثر ماله ويعظم على من قبله فأولهم دارا بن كستاسب وهو مذكور في المجسطي والثاني دارا ابن الأمة والثالث الذي قتله الإسكندر وقيل بل هو الرابع الذي عناه دانيال لأنه جعل أول الأربعة داريوش وأخشورش العادي وسركورش ورديفه في الملك ثم عد الثلاثة بعده وفي الثانية من ملكة داريوش بن كيستاسل لبابل تمت سبعون سنة لخراب القدس وفي الثالثة كمل بناء البيت ثم ملك بعد داريوش بن كيستاسب هذا أسمرديوس المجوسي سنة واحدة وقيل ثلاث عشرة سنة وسمى مجوسيا لظهور زرادشت بدين المجوسية في أيامه.
ثم ملك أخشويرش بن داريوش عشرين سنة وكان وزيره هامان العميلقي وقد مرت قصته مع الجارية من بني إسرائيل ثم ملك من بعده ابنه أرطحشاشت بن أخشويرش ويلقب بطويل اليدين وكانت أمه من اليهود بنت أخت مردخاي وكانت خطية عند أبيه وعلى يدها تخلص اليهود من سعاية وزيره فيهم عنده وكان العزيز في خدمته ولعشرين من دولته أمر بهدم أسوار القدس ثم رغب إليه العزير في تجديدها فبناها في اثنتي عشرة سنة قال ابن العميد عن المجسطي إن العزير هذا ويسمى عزراء هو الرابع عشر من الكهنونة من لدن هرون عليه السلام وأنه كتب لنبي إسرائيل التوراة وكتب الأنبياء من حفظه بعد عودهم من الجلاء الأول لأن بختنصر كان أحرقها وقيل أن الذي كتب لهم ذلك هو يشوع بن أبو صادوق ثم ملك من بعده أرطحشاشت الثاني خمس سنين وقيل إحدى وثلاثين وقيل ست عشرة وقيل شهرين ورجح ابن العميد الخمس لموافقتها سياقة التواريخ وكان لعهده أبقراط وسقراط في مدينة أشياش ولعهده كتب النواميس الإثني عشر ثم ملك بعد صغريتوس ثلاث سنين وقيل سنة واحدة وقيل سبعة أشهر ولم يزل محنقا لمرض كان به إلى أن هلك ثم ملك من بعده دارا ابن الأمة ويلقب الناكيش وقيل داريوش ألياريوس ملك سبع عشر سنة وكان على عهده من حكماء يونان سقراط وفيثاغورس وأقليوس وفي الخامسة من دولته انتقض أهل مصر على يونان واستبدوا بملكهم بعد مائة وأربع وعشرين سنة كانوا فيها في ملكتهم ثم ملك من بعده أرطحشاشت ابن أخي كورش داريوش إحدى عشرة سنة وقيل اثنتين وعشرين سنة وقيل أربعين وقيل إحدى وعشرين وكان لعهده ألياقم الكوهن الذي داهن الكهنونية ستا وأربعين سنة ثم ملك من بعده أرطحشاشت وتسمى أخوش ويقال أوغش عشرين سنة وقيل خمسا وعشرين وقيل تسعا وعشرين وزحف إلى مصر فملكها وهرب منها فرعون ساناق إلى مقدونية واسمه قصطرا وبنى أرطحشاشت قصر الشمع وجعل فيه هيكلا وهو الذي حاصره عمرو بن العاص وملكه ثم ملك من بعده ابنه أرشيش بن أرطحشاشت وقيل اسمه فارس أربع سنين وقيل إحدى عشرة وكان لعهده من حكماء يونان بقراط وأفلاطون ودمقراطس ولعهده قتل بقراط على القول بالتناسخ وقيل لم يكن مذهبه وإنما ألزمه بعض تلامذته ثم شهدوا عليه وقتل مسموما قتله القضاة بمدينة أثينا ثم ملك من بعده ابنه دارا بن أرشيش عشرين سنة وقيل ست عشرة وقال ابن العميد عن أبي الراهب: إنه دارا الرابع الذي أشار إليه دانيال كما مر وكان هذا الملك عظيما فيهم وتغلب على يونان وألزمهم الوظائف التي كانت عليهم لآبائه وملكهم يومئذ الاسكندر بن فيلبس وكان عمره ست عشرة سنة فطمع فيه دارا وطلب الضريبة فمنع وأجاب بالإغلاظ وزحف إليه فقاتله وقتله واستولى الإسكندر على ملك فارس وما وراءه انتهى كلام ابن العميد.